وداعا "ابن النيل" يوسف شاهين
بعد حياة حافلة بأجمل الأفلام التي صنعت جزءا كبيرا من تايخ السينما المصرية رحل ابن الاسكندرية، ابن النيل، ابن مصر، المخرج العالمي يوسف شاهين عن عمر يناهز الثانية والثمانين بعد أن فاضت روحه لبارئها صباح اليوم بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي.
منذ أن أجرى عملية القلب المفتوح في السبعينات، كان المخرج الراحل الكبير يوسف شاهين يتوقع موته لكنه نجا وقدم فيلما يروي قصة حياته وتجربة لقائه بالموت. ومن يومها ظل قلبه مريض، مريض بأوجاع الوطن وآلامه، كل فترة يمرض شاهين ويبقى بالمستشفى خاصة بعد أزمته الصحية الكبيرة أثناء تصوير فيلم الآخر.
وفي كل مرة يتوقع الجميع رحيله وتعد الملفات عن مشواره لكنني كنت على يقين أن سيعود لنا ولم أعد مقالا لنشره في حالة وفاته. وكان شاهين ينجو من كل أزمة صحية ويعود لنا... لجيلي الذي تربى على أفلامه وحفظها بمشاهدها وحوار أبطالها وأغنياتها.
وعندما أصيب بنزيف المخ الأخير في منتصف يونيو الماضي، أدركنا أنه لن يعود وعرفنا أنه سيغادرنا ويذهب مع بحر اسكندرية للضفة الأخرى. سيذهب في طائرة خاصة لفرنسا ولن يعود الا في صندوق خاص. يعود ونكتب: رحل مخرجنا الكبير يوسف شاهين عن عمر يناهز الثانية والثمانين وبعد حياة حافلة بالإنجازات المتميزة، رحل عن عالمنا المخرج الأهم في تاريخ السينما المصرية.
لكن المخرج العالمي أبئ إلا أن يعود إلى أرض مصر التي أحبها، وعاش على رمالها وترابها وشرب من نيلها، لهذا لم ترضى روحه أن تغار الجسد المتعب إلا فوق تراب القاهرة التي رغم غضبه منها كان دائما يردد " القاهرة منورة باهلها".
لم يكن صعبا الكتابة عن شاهين ولا أفلامه التي لا تشكل كما كبيرا بقدر ما تشكل قيمة معنوية وتاريخية وفنية ظلت ترصد حياة شعب وأمة حتى آخر أفلامه " هي فوضى".
نبذة عن حياته ودراسته:
ولد يوسف شاهين في الخامس والعشرين من يناير عام 1926 في محبوبته الإسكندرية وعاش بها أغلب أيام شبابه، ورغم أنه قد نشئ في عائلة من الطبقة المتوسطة إلا أن تعليمه كان دائمًا في مجموعة من أهم المدارس الخاصة، منها مدرسة فيكتوريا السكندرية التي حصل فيها على الشهادة الثانوية، وانتقل منها إلى جامعة الإسكندرية.
بعد عام واحد في الجامعة انتقل للحياة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى عامين يدرس صناعة الأفلام والفنون الدرامية في دار باسادينا المسرحي Pasadena Play House.
وبعد رجوع شاهين إلى مصر، ساعده المصور السينمائي ألفيز أورفانيللي على الدخول في عالم صناعة الأفلام المصرية، حيث قدم هنا أول أفلامه باسم "بابا أمين" عام 1950، وبعد عام واحد شارك فيلمه الثاني "ابن النيل" في مهرجان أفلام كان السينمائي العالمي، واستمرت مسيرة أفلامه الناجحة لتتصدرها رباعية أفلامه الأهم، والتي تتحدث عن حياته الشخصية وهي "إسكندرية ليه" عام 1978 و"حدوتة مصرية" عام 1982، و"إسكندرية كمان وكمان" عام 1990، وآخرها كان "إسكندرية ـ نيويورك" عام 2004.
وقد حصل الفقيد على مجموعة من الجوائز العالمية، منها الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاج عام 1970، كما حصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه "إسكندرية ليه" كما حصل على جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان السينمائي في عيده الخمسين عن فيلمه "المصير".
أهم أفلام المخرج الراحل:
قدم الفقيد ما يتجاوز الـ 42 عملاً سينمائيًا تتراوح ما بين الأفلام الطويلة والقصيرة، وشارك في كتابة بعضها بنفسه ومنها :
فيلم " باب الحديد" "صراع في الوادي" عام 1954 والفيلم من بطولة النجم العالمي عمر الشريف والذي تلاه بفيلم " صراع في الميناء" وقدم فيه عمر الشريف دورا جديدا عليه كفتى أول للشاشة في الخمسينيات.
ويعد فيلم" الناصر صلاح الدين" الذي قدمه شاهين عام 1963 أول أفلامه الضخمة الانتاج والذي أظهر موهبته الحقيقية كمخرج متميز صاحب لغة سينمائية رفيعة وقدرة على التحكم في المجاميع الكبيرة وهو ما بدا واضحا في افلامه التاريخية الأخرى مثل " وداعا بونابرت" الذي قدمه عام 1984.
وربما يعتبر فيلم "الأرض" والذي قدمه عام 1970 من أهم أفلامه وأقربها إلى وجدان الشعب المصري خصوصًا مع تمثيل محمود المليجي المتميز لدور صاحب الأرض المظلوم.
وقدم شاهين خلال نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أفلاما تميزت بالطابع السياسي وعبرت عن واقع الشعب المصري والعربي ومنها " جميلة بوحريد" الذي روى قصة المناضلة الجزائرية الشهيرة وأفلام " الاختيار" و" العصفور" الذي تضمن مشهد جنازة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وقد عرف شاهين بولعه بتصوير أهم الاحداث السياسية ليستخدمها كمشاهد تسجيلية في أفلامه. كما يعد فيلمه " الناس والنيل" وثيقة تأريخية لمشروع بناء السد العالي والذي كان مشروعا قوميا.
عشق شاهين الأفلام الاستعراضية الأمريكية خاصة نجومها فريد استير وجين كيللي وحاول خلال مشواره أن يقدم مجموعة من الأفلام الغنائية الاستعراضية وكان أولها " انت حبيبي" الذي قدم فريد الأطرش بشكل مختلف عن بقية أفلامه وشاركته بطولة الفيلم النجمة شادية. وهناك أيضا " عودة الابن الضال" الذي يعد أروع أفلامه وعلامة في السينما المصرية و" اسكندرية كمان وكمان" وأخيرا " سكون هنصور" الذي لم يحقق نجاحا كبيرا رغم أنه كان أول أفلام المطربة التونسية لطيفة.
كما وشاركت المطربة العالمية مصرية الأصل "داليدا" في واحد من أفلامه عام 1986 بعنوان اليوم السادس وقامت بدور غمرأة بسيطة تحاول إنقاذ حفيدها من الموت بالطاعون.
أما أهم أفلام شاهين من وجهة نظره هو فيلم المهاجر الذي بدأ في تأليفه بنفسه عام 1994، والذي استوحى قصته من شخصية النبي يوسف، واستطاع بالفعل تحقيق حلمه في تصوير هذا الفيلم والذي تلقى نقدًا متراوحًا ما بين الانتقادات الدينية الحادة وما بين الاهتمام الإعلامي بجودة الفيلم وحسن تقديمه. كما تعرض الفيلم لدعاوى قضائية تطالب بوقف عرضه لأن قصته تتشابه مع قصة النبي يوسف وهو ما لا يجوز في الدين الاسلامي من تجسيد للأنبياء والرسل.
وقد كانت هذه الدعاوى سببا في كتابته لفيلمه التالي " المصير" الذي تناول قصة حياة الفلسوف الاسلامي الكبير ابن رشد ودعاوى التكفير والهرطقة التي تعرض لها ومنها حرق كتبه. وهو الفيلم الذي شارك به في مهرجان كان السينمائي عام 1997 في يوبيله الخمسين وفاز بجائزة تكريمية عن مجمل أعماله.
ولم يدع يوسف شاهين قضية التفرقة العنصرية دون أن يقدم عنها فيلمًا متميزًا بعنوان "الآخر" من بطولة هاني سلامة وحنان ترك، وانهى مشواره الفني بالفيلم المشترك بينه وبين تلميذه النجيب خالد يوسف عن القوة الغاشمة للشرطة في القاهرة اليوم بعنوان "هي فوضى!".
الأزمة الصحية:
تم نقل المخرج العالمي في مساء الأحد 15-6-2008 إلى مستشفى الشروق في حي المهندسين في القاهرة، حيث رقد في العناية المركزة في حالة غيبوبة كاملة نتيجة إصابته بنزيف في المخ. ولم تكن هذه هي أول الإشارات إلى تدهور صحة شاهين، حيث لم يستطع المخرج العالمي أن يقوم بتقديم آخر أفلامه "هي فوضى" إلا بمساعدة تلميذه النجيب "خالد يوسف"، والذي طالب السلطات بمجرد اعتلال صحة النابغة السينمائي بنقله بطائرة خاصة إلى الخارج لمحاولة علاجه. ولكن المخرج الذي قدم روحه للفن لم يستطع إلا أن يودع عالمنا على أرض الوطن الذي لطالما أحبه، مغادرًا عالمنا محملاً بجمال أفلامه التي كانت وستظل علامات أبدية على جدران السينما المصرية، حيث عاد إلى القاهرة بعد أن قضى حوالي شهر في المستشفى الأمريكي بفرنسا، وقد رافقته في الرحلة ماريان خوري ابنة شقيقته، والدكتور الأمريكي الذي كان متوليًا علاجه أثناء وجوده بفرنسا.
موضوع: وداعا "ابن النيل" يوسف شاهين 
الأربعاء يوليو 30, 2008 3:14 pm
